هل تحول الإخوان إلى النضال المسلح؟ وأين تتجه عقارب ثورتهم المسلحة

 

 

كان من ثوابت حركة الإخوان أن يخوضوا المعترك السياسي سلميا ؛ بعد تحولهم الأول من حركة دعوية ربانية تقاوم الاختراق الغربي السلوكي للمجتمع المسلم.

فظلوا بأجنحتهم السياسية حاضرين في المشهد الديمقراطي على علاته ؛ في بلدان عربية عديدة سمحت لهم بالمشاركة السياسية ؛ ومن بينها سوريا والمغرب ومصر وتونس والكويت  وموريتانيا أخيرا.

كما حافظوا على العمل السري كسلاح تكتيكي في صراعهم مع الأنظمة.

لكن تحولات عديدة دخلت في منهج الإخوان مما أدي إلى بروز أكثر من نسخة بينها نسخ جهادية مقاتلة .

فحركات الجهاد في العقود الأخيرة من القرن الماضي ولدت من رحم إخواني لامراء فيه ؛ لكنه كان جهادا برعاية امريكا والنظام العربي ذاته ؛

مما كشف للمراقبين جليا: أن للإخوان عمقا براغماتيا يستطيع التكيف مع الظروف السياسية العالمية حسب المتاح ؛ سعيا منهم لإقناع واشنطن والغرب عموما أنهم بإديولوجتهم  المرنة يصلحون بديلا للأنظمة التي صنعها ويرعاها الاستعمار على حسابهم.

فهم مجاهدون حسب ماتقتضيه التوجهات الغربية ؛ وهم “إسلام” متحلل من ثوابت الإسلام إن احتاجوا لذلك ؛ كما هي النسخة التركية من الإخوان.

وهم جماعة ترفيه ورقص وغناء  مغرمة بالثقافة الغربية وموسيقى الهيب هوب  كما النسخة التونسية .

وهم  يباركون التطبيع والتحالف مع تلابيب مادام برغبة ولي الأمر كما في المغرب.

كما أنهم المتحالفون  60عاما مع السلفية النجدية في مواجهة نظام عبد الناصر في اليمن ضد الإمامية ؛ وهم أداة النفير العام للجهاد في باكستان وأفغانستان والبوسنة والهرسك.

ولاشك أنهم وهم يقودون ثورة سوريا يستحضرون كل أخطائهم في ربيع مصر الدموي وليبيا كما يستحضره رعاتهم.

فلم يظهروا وهم يستلمون قيادة مصر عبر صندوق الانتخابات ؛ قدرة قيادية على إدارة حقول الألغام السياسية  المحدقةبهم.

حيث لم يستطيعوا كسب ثقة الجيش المصري ؛كما أنهم استغنوا عن كل دول الخليج بعلاقتهم بقطر ؛ وفتحوا باب سوق الاستثمارات لها وحدها دون السعودية والإمارات  ؛ واستعجلوا في إعلان العمل على تصدير ثورتهم لدول الخليج ذاتها.

لقد صنع قصور أدائهم السياسي  نواة ثورة مضادة شرسة ضدهم ليسقط حكم الإخوان في مصر فجأة  بدموية موغلة في الوحشية .

مما أدي إلي هيمنة قطر على ورقة الإخوان التي أصبحت تديرها دولة قطرحسبما يناسب مصالحها.

فاتحاد علماء المسلمين العنوان الضخم الإخواني السلفي المرجعية أصبح يعمل تحت قيادة الديوان القطري .

كما أن الإخوان كانوا  هم رأس الحربة الأشرس ضد حلف مقاطعة وحصار قطر ؛ ذلك الحلف الذي لم يلبث أن تفكك ؛ واستطاعت قطر  أن تكسب اللاعب التركي المهم في خندقها وإلى حد مدروس ضمنت دعم اللاعب الإيراني وسحبت السعودية نحوها مبتعدة عن الإمارات وعن مصر بخطوات.

فلم يعتبر الإخوان ولا قطر أنهما خسرا المعركة بسقوط ثورة مصر واختلاط أوراق ثورة ليبيا

أما مخطط تفكيك سوريا وتثوير شعبها الذي كانت تسعي من أجله أمريكا وإسراءيل  فقد أصبح ناضجا بتوفر كل أسبابه:

وجود: نظام دموي أهلك وشرد شعبه وأفقره ولم يجد اللعبة ولم يفهمها كما ينبغي.

قوة بشرية سورية جبارة  لاجئة وموتورة مستعدة للتحالف مع كل من يمولها ويسندها.

لذلك لايعد انتصار المشروع القطري التركي المدعوم من السعودية وامريكا مفاجئا.

قطر مولت وحدها لفترة مايسمى ثورة سوريا بإيعاز من واشنطن ؛ واعترف علنا بذلك رئيس وزرائها الأسبق ؛ ثم جرت لخندقها فاعلين جدد.

ويتضح من أداء قائد العمليات كما يسمونه السيد أحمد الشرع ؛ أن الخطة لسوريا معدة سلفا بحيث يتم تفادي كل أسباب سقوط ثورة الإخوان في مصر وفي ليبيا .

لكن ذلك لن ينجح مالم يبرز الخيار السوري المستقل الذي يضع مسافة مع كل المتصارعين على الكعكة السورية بما يضمن مصالح سوريا أولا في الاستقرار والتعافي والتنمية.

لكن القاهرة تبدو  مرتبكة من الوضع ؛كما تبدوا الإمارات في نفس وضع قطر مع مصر الإخوان ؛ إلا أنها بقيت وحدها مع السيسي باستثمارات بلغت 65مليار دولار ؛ 35مليار دولار منها دفعة واحدة في مدينة رأس الحكمة الذكية.

إلا أن الإمارات قد تتناقض مصالحها مع مصر السيسي في الإقليم ؛ فهي في صف الدعم السريع بالسودان والسيسي في صف الدولة السودانية.

فالإمارات تخشى خسارة 7مليار دولار ضختها في السودان في مجالي الزراعة والسياحة والبنية التحتية البحرية وخسارة نفوذ مهم صرفت عليه في السودان ؛ وقد رفض الانقلابيون على الرئيس البشير محتوى تعاقدها مع البشير في تلك المجالات وكان  ذلك هو بداية ابتعادها عن الخرطوم.

وغير بعيد في القرن الإفريقي تتشابك صراعات عديدة على ضفاف البحر الأحمر ؛ وقد نجد الإمارات في صف أعداء مصر!

كما أن تباين رؤية دول الخليج لحركة الإخوان وللجهاديين  يصعب توحيد الموقف من سوريا ؛ فالإمارات تجرم الإخوان فكرا وانتماء  وهم في الكويت أصحاب ثروة ونفوذ ؛ والسعودية وإن ابتعدت شكليا عن الإخوان فهي تدرك أن سلفيتها هي حاضنهم الأصلي  وأنهم ورقة ليس من مصلحة السعودية التخلي الكامل عنها لأن ذلك يجعلها في يد أخرى تلعب بها ضد السعودية.

وللسعوديين تجربتهم في ذلك ؛ خاصة في اليمن.

وتركيا ترعى فكر الإخوان بنسختها هي القريبة جدا من واشنطن وتلابيب والإخوان عبر العالم يمجدون (إسلامية تركيا)

والرأي العام العربي الإسلامي سهل الانقياد خلف الشعارات الدينية البراقة .

فهل سيكون نجاح النسخة الإخوانية الجهادية في سوريا مجرد مقدمة لعودة  الثورة الإخوانية في مصر ولو بعد حين ؟  ربما.

فالطبخة في ليبيا لم تنضج بعد ؛ وربما تدفع تركيا وقطر بعد إقناع واشنطن باستخدام ليبيا في عملية معقدة طويلة الأمد لتحقيق هدف امريكي صهيوني قديم هو تفكيك مصر وإنهاكها لكن هذه المرة بتوظيف رغبة الإخوان في الثأر وقصور أداء الرئيس المصري في حلحلة ملفات مصر الكبرى وأولها ملف اجتثاث الإخوان.

فلم يسجل التاريخ أن حاكما ما نجح في القضاء على فكرة في رؤوس وقلوب والناس ؛ بغض النظر عن مصداقيتها من عدمها.

ولقد ارتهنت مصر منذ الثورة في الصراع الثنائي بين الجيش والإخوان ؛ ولا يستطيع أي منهما أن يلغي الآخر إلا إذا نجح نفس مخطط سوريا في مصر

إسقاط الرئيس السيسي وإسقاط الجيش المصري معه.

ولايمكن أن يتصور أحد كيف ستكون مصر بلا جيش وكيف ستكون الأمة إذا سقطت مصر كما سقطت دمشق وبغداد.

المأساة تكمن في الأنظمة الدموية الدكتاتورية ؛ فلا خيار إلا أن  تظل الدولة معدومة في الحكم الدكتاتوري  أو تسقط الدولة والدكتاتور ونظامه

بقلم رئيس مركز دعم صناعة القرار الوطني:

عبد الله ولد بونا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *