*قطاع الصناعة والمعادن في موريتانيا قصور في الأداء وجعجعة بلا طحين*

تعتبر موريتانيا نظريا بلدا غنيا بالمناجم ؛ تزيد مؤشراته المعدنية على الألف.
لكنها مؤشرات لم تستكمل مايلزم من أساسيات تحويلها إلى عامل اقتصادي مهم .
وأول تلك الأساسيات إنجاز خرائط دقيقة للمعادن ودراسات جدوى تحدد مردوديتها التجارية ؛ وقاعدة بيانات تصنيفية دقيقة حسب المواصفات العالمية؛ ثم تسويق ممتاز لها عالميا لجذب استثمارات نوعية .

ورغم أهمية البيانات المتاحة عن الحديد والذهب والنحاس مثلا ؛ فقد ظل أداء هذه القطاعات هزيلا في الغالب .
ورغم أن شركة سنيم ظلت تقدم نفسها على أنها فاعل اقتصادي محوري في الاقتصاد الموريتاني بإسهامها ب 9%من الناتج المحلي الإجمالي و14%في الميزانية السنوية و37% من ؛ صادرات موريتانيا ؛ وخلق 10آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ؛ إلا أن أداء شركة سنيم قياسا على المقدرات المتاحة يظل هزيلا حقا ويظل أداؤها مرتبكا في الغالب بسبب قصور الخطط والفساد السياسي والإداري الذي كبل أداء أكبر عنوان منجمي في موريتانيا.
فمع وجود احتياط خام ضخم من الحديد وطلب عالمي ضخم عليه ؛ كان يفترض أن تكون هناك دراسات وخطط نوعية لرفع الإنتاج عبر مراحل إلى 100مليون طن بدل 10مليون طن.وإن كان قد ارتفع خلال عهد الرئيس ولد الغزواني إلى 14مليون طن، إلا أن هذه الزيادة لم تحل دون معاناة شركة سنيم في مجال الطاقة والمياه التي أدت إلي ارتفاع تكلفة الإنتاج..
وبدل الإسهام في الناتج الإجمالي المحلي ب9%كان باستطاعة سنيم رفع إسهامها في الناتج المحلي إلى 70% ورفع الناتج المحلي لمستويات أعلى .
أما إسهامها ب14%في الميزانية فهو عبثي حقا إذ أن ميزانيتنا السنوية الرسمية هي من أقل وأصغر الميزانيات الحكومية في العالم رغم مضاعفتها في عهد الرئيس ولد الغزواني؛ وهي ميزانية لا تستطيع تلبية الحاجات الدنيا التنموية للوطن كله.
وأما من حيث إسهامها ب 37%من صادراتنا الخام فهو إسهام قاصر تماما ؛ إذ لا توجد قيمة مضافة على صادرات سنيم الخام ترفع قيمة العائدات وتخلق فرص عمل ؛ ويعود ارتفاع نسبة إسهام سنيم في صادراتنا الخام للعالم إلى قصور في اقتصادنا الكلي لاغير.
وعن خلق سنيم ل 10آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ؛ فذلك دليل ملموس على قصور الأداء ؛ إذ من المفترض أن يوفر قطاع الحديد والصناعة أكثر من 80ألف فرصة عمل .
ولو دققنا في ماتدعيه سنيم من فاعلية تشغيلية لواجهتنا صدمة كبرى ؛ فمتوسط الأجور لديها ضعيف جدا،
كما يعاني آلاف العمال المرتبطين بها – سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة – ضعف الدخل والرعاية وظروف العمل الصعبة.
بالإضافة إلي إسهامها في مأساة ضحايا الشركات الوسيطة التي تتعاقد معها لتشغيل موريتانيين برواتب هزيلة دون حقوق تذكر.
ولعل من المضحك المبكي الحديث عن خيرية سنيم التي أسست 2007 لأنها ببساطة ظلت عنوانا بارزا في ملفات العشرية المثارة في ملفات المحكمة المستمرة حتى الآن.
وبالأحرى فإن شركة سنيم ترتبط بكل ملفات الفساد عبر الشركات الوطنية التي تملكها أو تمتلك نسبة منها ؛ والحديث عن ذلك يطول .
أما علي المستوى الإداري فلم يكن أحسن من غيره، حيث تم دفن أجيال من أصحاب الخبرة دون ترقيات وتم تصعيد أطر أقل خبرة على حسابهم ؛ وفرغ الفساد السياسي إدارة الشركة العامة وإداراتها الفرعية من القوة البشرية الأكثر تأثيرا وخبرة في مجال الإنتاج وتطوير ديناميكية الشركة.
ويمكن القول بيقين إن تخلف وضعف الاقتصاد الموريتاني سببه الرئيسي هو وهن شركة سنيم وسوء إدارتها لأعظم وأهم مناجم موريتانيا.
ومن ذلك دخول سنيم في تفاهمات غير جادة مع جهات دولية عديدة ؛ أو دخول الوزارة الوصية في تلك التفاهمات .
فلم تنجج السياسات التعدينية حتى الآن في رفع عائدات قطاع المناجم والاستخراج لقصور واضح فيها.
كما لم يكن للقطاع الخاص التعديني دور إيجابي رغم تسيير الولوج لهذا القطاع من حيث الترخيص أو تجديد الرخص.
ولم يستثمر حتى الآن التوجه الأوروبي إلى موريتانيا في مجالي الطاقة الخضراء والصلب الأخضر ؛ فعجز قوتنا البشرية المكلفة بالملف مكشوف ؛ إذ أصبح الأوروبيون يلحون على الحكومة لإطلاق مشاريع في ذلك المجال دون أن يتلقوا استجابة بالسرعة المناسبة .
وغير بعيد من سنيم يراوح قطاع الذهب في عبثية حضوره في اقتصادنا الكلي ؛ سواء كان ذهب تازيازت أو ذهب التنقيب الشعبي ؛ ولم تضف “معادن ” جديدا يذكر في إصلاح هذا القطاع الحيوي لاقتصادنا .
فلا مجلس الذهب العالمي يقبل بيانات التنقيب الشعبي كمعطى لرفع تصنيف موريتانيا ولا انعكاس لذهبنا على قيمة عملتنا؛ ولا ضوابط علمية وتجارية لسوق الذهب تمنع تهريبه والتلاعب به ؛ ولا تعيير دقيق إذ لا وجود لصناعة ذهب ذات مواصفات عالمية ببلدنا.
كما يمكن اعتبار نحاسنا في نفس دائرة القصور في الدخل والأداء.
بالرغم من أن لدينا وزارة صناعة ومعادن جديدة مستقلة عن وزارة النفط والطاقة ؛ لكنها عنوان لقطاع كسيح عانى طويلا من الفساد بل تم إخراجه من دائرة الرقابة البرلمانية برهة من الزمن في عهد الرئيس السابق وتم التلاعب به طويلا ؛ وهو في الوقت الراهن يعاني من فساد مزمن ؛ يمنع الموريتانيين من نهضة منجمية هي في أيديهم نظريا.
إن هناك أوولويات كثيرة يجب تحقيقها أولا لتكون نهضة القطاع المعدني والصناعي ممكنكة وراسخة وقابلة للتطوير ؛ منها
* إنجاز قاعدة بيانات تصنيفية لمؤشراتنا المعدنية من ضمنها خرائط دقيقة ؛ وتوزيع الحقول المنجمية حسب تصنيفها العالمي .
* حصر وتصنيف المعادن والمواد النادرة التي تدخل في الصناعات الذكية
* إنجاز دراسات الجدوى وخطط التسويق بإسناد بمدونات قانونية تعود بالخير على الوطن والمواطن
* إصلاح إداري عميق يستأصل داء الفساد ويلغي إخضاع قطاع الصناعة والمعادن للمحاصصة السياسية .
* فرض استيعاب الخريجين في كل المجالات المرتبطة بالتعدين والصناعة
* توفير البنى التحتية الأساسية للتعدين والصناعة بثمن رخيص ( الماء والكهرباء)

مركز دعم صناعة القرار الوطني بالتعاون مع نخبة موريتانيا
بقلم الرئيس عبد الله ولد بونا

24نفمبر 2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *